responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 436
الْحَالَةِ يَجِدُ الشَّيْطَانُ مَجَالًا فِي حَمْلِ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي، لَا جَرَمَ بَيَّنَ تَعَالَى مَا يَجْرِي مَجْرَى الْعِلَاجِ لِهَذَا الْغَرَضِ فَقَالَ: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَالْكَلَامُ فِي تَفْسِيرِ الِاسْتِعَاذَةِ قَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ الطَّاعِنُونَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالُوا: لَوْلَا أَنَّهُ يَجُوزُ مِنَ الرَّسُولِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَوِ الذَّنْبِ، وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ لَهُ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لَهُ: إِنْ حَصَلَ فِي قَلْبِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ، كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزُّمَرِ: 65] وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَشْرَكَ. وَقَالَ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاءِ: 22] وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ فِيهِمَا آلِهَةٌ. الثَّانِي: هَبْ أَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي عِصْمَتِهِ، إِنَّمَا الْقَادِحُ/ فِي عِصْمَتِهِ لَوْ قَبِلَ الرَّسُولُ وَسْوَسَتَهُ، وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ إِنْسَانٍ إِلَّا وَمَعَهُ شَيْطَانٌ» قَالُوا: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّه قَالَ: وَأَنَا وَلَكِنَّهُ أَسْلَمَ بِعَوْنِ اللَّه، فَلَقَدْ أَتَانِي فَأَخَذْتُ بِحَلْقِهِ، وَلَوْلَا دَعْوَةُ سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ فِي الْمَسْجِدِ طَرِيحًا،
وَهَذَا كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الْحَجِّ: 52] الثَّالِثُ: هَبْ أَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ.
وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقْبَلُ أَثَرَ وَسْوَسَتِهِ، إِلَّا أَنَّا نَخُصُّ هَذِهِ الْحَالَةَ بِتَرْكِ الْأَفْضَلِ وَالْأَوْلَى.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَإِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّه فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَبْعِينَ مَرَّةً» .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الِاسْتِعَاذَةُ باللَّه عِنْدَ هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الْمَرْءُ عَظِيمَ نِعَمِ اللَّه عَلَيْهِ وَشَدِيدَ عِقَابِهِ فَيَدْعُوهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ مُقْتَضَى الطَّبْعِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى أَمْرِ الشَّرْعِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: هَذَا الْخِطَابُ وَإِنْ خَصَّ اللَّه بِهِ الرَّسُولَ إِلَّا أَنَّهُ تَأْدِيبٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ لِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ باللَّه عَلَى السَّبِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لُطْفٌ مَانِعٌ مِنْ تَأْثِيرِ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النَّحْلِ: 97، 98] إذا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ لِهَذِهِ الِاسْتِعَاذَةِ أَثَرًا فِي دفع نزع الشَّيْطَانِ، وَجَبَتِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَدُلُّ على أن الاستعاذة بلسان لَا تُفِيدُ إِلَّا إِذَا حَضَرَ فِي الْقَلْبِ الْعِلْمُ بِمَعْنَى الِاسْتِعَاذَةِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: اذْكُرْ لَفْظَ الِاسْتِعَاذَةِ بِلِسَانِكَ فَإِنِّي سَمِيعٌ وَاسْتَحْضِرْ مَعَانِيَ الِاسْتِعَاذَةِ بِعَقْلِكَ وَقَلْبِكَ فَإِنِّي عَلِيمٌ بِمَا فِي ضَمِيرِكَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْقَوْلُ اللِّسَانِيُّ بِدُونِ الْمَعَارِفِ القلبية عديم الفائدة والأثر.

[سورة الأعراف (7) : الآيات 201 الى 202]
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)
[في قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَنْزَغُهُ الشَّيْطَانُ وَبَيَّنَ أَنَّ عِلَاجَ هَذِهِ الْحَالَةِ الِاسْتِعَاذَةُ باللَّه، ثُمَّ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ حَالَ الْمُتَّقِينَ يَزِيدُ عَلَى حَالِ الرَّسُولِ فِي هَذَا الْبَابِ، لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا النَّزْغُ الَّذِي هُوَ كَالِابْتِدَاءِ فِي الْوَسْوَسَةِ، وَجَوَّزَ فِي الْمُتَّقِينَ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وهو

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 436
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست